ر د ود الت ست ري على ابن أ ب ي احل د يد ف ي ش رح ن هج الب الغ ة

Transcription

1 1

2 2

3 وزارة التعليم العايل والبحث العلمي جامعة القادسية كلية اآلداب قسم اللغة العربية ر د ود الت ست ري على ابن أ ب ي احل د يد ف ي ش رح ن هج الب الغ ة دراسة نقدية رسالة قد مها الطالب محمد حاكم حبيب الكريطي إىل جملس كلية اآلداب يف جامعة القادسية وهي جزء من متطلبات نيل شهادة املاجستري يف اللغة العربي ة وآداهبا بإشراف األستاذ الدكتور ياسر علي عبد الخالدي 1438 ه 2016 م 3

4 توصية المشرف أشهد أن ني قد أشرفت على رسالة طالب الماجستير ( محمد حاكم حبيب الكريطي ) الموسومة ب ( ردود التستري على ابن أبي الحديد في شرج نهج البالغة / د ارسة نقدية ) في قسم اللغة العربية وآدابها في كلية اآلداب / جامعة القادسية وقد الحظت فصولها وكل ما يتعلق بمحتوياتها وهي صالحة للمناقشة مع التقدير التوقيع : المشرف : األستاذ الدكتور ياسر علي عبد الخالدي التاريخ : / / 2017 م 4

5 توصية رئيس قسم اللغة العربية بناء على ما جاء بشهادة األستاذ المشرف وتقرير الخبير العلمي نؤيد ما جاء بتقريريهما في الرسالة ونرشحها للمناقشة التوقيع : رئيس القسم : أمد حازم كريم الكالبي التاريخ : / / 2017 م 5

6 صدق اهلل العلي العظيم ( البقرة : 207 ) 6

7 اإلهداء إىل الذي أرى بعينه الدنيا فهو نافذتي على احلياة إىل الذي والذي حتى تنفد الكلمات والدي ابقاك اهلل نورا لد نيانا إىل الثنايا البامسة تفاؤال وأم ا بنا إىل الصوت الذي أكثر خماطبة السماء عن ا أمي أطال اهلل عمرك حمم د 7

8 شكر وعرفان ر ب أ و ز ع ن ي أ ن أ ش ك ر ن ع م ت ك ال ت ي أ ن ع م ت ع ل ي ما كان لهذه الرسالة أن تتم بالشكل الذي هي عليه لوال ما أنعم به اهلل تعالى علي من أيد كريمة كان لها الفضل الذي تعجز الكلمات عن وصفه ورد ه كان الفضل االول واالكبر ألستاذي الجليل األستاذ الدكتور ياسر علي عبد الخالدي لتفضله باألش ارف على هذا البحث ورفده وتوجيهاته القيمة كان نعم المرشد والناصح فج ازه اهلل عني خير الدارين وأتوجه بوافر الشكر واالحت ارم إلى األستاذ الدكتور رياض شنتة جبر رئيس جامعة ذي قار واألستاذ الدكتور إحسان القريشي رئيس جامعة القادسية واألستاذ الدكتور عقيل عبد الزهرة الخاقاني عميد كلية األداب في جامعة الكوفة واألستاذ الدكتور عواد كاظم لفتة الغزي التدريسي في كلية األداب جامعة ذي قار والذين كان لهم الفضل األول في تيسير آنتقالي من جامعة ذي قار الى جامعة القادسية كما أشكر عمادة كلية اآلداب ألفضالها الكبيرة وفي مقدمتها قبول إنتقالي فجزى اهلل عني كل من سعى في ذلك خي ار في الدنيا واالخرة وعظيم الشكر والثناء لرئاسة قسم اللغة العربية لما قدموه من إهتمام ومساعدة كبيرين وأخص بالذكر رئيس القسم أستاذي الدكتور حازم كريم عباس الكالبي كما أشكر جميع أساتذتي الفضالء وفي مقدمتهم أستاذي الدكتور شاكر هادي التميمي وأستاذي الدكتور سالم األوسي واستاذي الدكتور عباس أمير معارز وأستاذتي الدكتورة شيماء خيري فاهم وأستاذتي الدكتورة زينب جاسم 8 15 األحقاف :

9 وأستاذتي الدكتورة آالء الشرع وأستاذي الدكتور عبد الحسن العبودي وأستاذتي الدكتورة مي علي وأستاذي الدكتور حسين عبيد الشمري وأستاذي الدكتور حسام عدنان وأستاذتي الدكتورة هيام عبد زيد لما قدموه من نصائح ومعرفة خاصة في السنة التحضيرية فج ازهم اهلل ثواب الدنيا واالخرة كما أشكر والدي ومعلمي االستاذ الدكتور حاكم حبيب الكريطي آلثاره العلمية في حياتي األخ كما أشكر حيدر حسين غاوي الذي ترجم ملخص الرسالة الى اللغة األنكليزية وأخي ار أشكر اخي علي حاكم حبيب لبذله جهدا ممي از في طبعه هذه الرسالة والشكر لجميع االصدقاء ممن تواصل معي طيلة مدة البحث وأقدم شكري إلى المكتبات التي اغنتني بالكثير من المصادر أخص بالذكر منها مكتبة قسم اللغة العربية في كليتنا والمكتبة المركزية ومكتبة قسم اللغة العربية في كلية التربية للعلوم االنسانية في جامعة كربالء ومكتبتي العتبتين الحسينية والعباسية المباركتين أسهم وكل من في إنجاز هذا البحث 9

10 املقدمة بسم اهلل الرحمن الرحيم الحمد هلل الذي جعل الحمد مفتاحا لذكره ودليال على نعمه وآالئه والصالة والسالم على سيد الكائنات رسول رب العالمين محمد بن عبد اهلل خاتم النبيين والمبعوث رحمة للعالمين وعلى آله الطيبين الطاهرين وبعد : فقد كنت أدعو من اهلل سبحانه وتعالى أن تتاح لي الفرصة ألكتب في نهج البالغة لما لهذا الكتاب من ثقل معرفي في حياة المسلمين الثقافية واإلجتماعية واالقتصادية وغيرها وبفضل من اهلل تعالى تهي أت لي الفرصة لكي اكتب عن هذا السفر الخالد بخلود منشئ هذا النص وعلى الرغم من كثرة الشروح وكثرة ما كتب عن نهج البالغة فإن مادته متجددة ت لد معاني أخرى معتمدة على وعي القارئ واد اركه فكلما ازداد وعي القارئ ازدادت تلك المعاني والدالالت وعلى الرغم من تعدد الشروح واختالف الد ارسات واتجاهات الدارسين الفكرية والثقافية فإننا نلحظ أن النهج ما ازل مادة تعطي كثي ار من المعارف والدليل كثرة الرسائل واألطاريح التي ما ازلت تأخذ من النهج ميدانا لها وبعد أن استشرت أساتذتي في قسم اللغة العربية وبخاصة السيد رئيس القسم والسيد المشرف فوافقوا على الكتابة عن نهج البالغة وبفضلهم بعد اهلل تعالى تم اختيار هذا العنوان وقبوله وهو : ( ردود الت ست ري على ابن أبي الحديد في شرح نهج البالغة د ارسة نقدية ( 10

11 فاسم ابن أبي الحديد ارتبط بنهج البالغة أما التستري فهو من الشر اح المعاصرين شرح نهج البالغة بشرحه المعروف ( بهج ال صباغة في شرح نهج البالغة ) إذ تأل ف من أربعة عشر جز ءا معتمدا فيه على آ ارء القدماء من جه ة وآ ارء المحدثين ورد على كثير ممن شرحوا النهج بما كان ي اره مناسب ولكن د ارستنا اختصت بردوده على ما ذكره ابن أبي الحديد في شرحه كما قي دها العنوان وقبل الشروع بكتابة البحث عدت إلى بعض شروح نهج البالغة واط لعت عليها ومن هذه الشروح شرح نهج البالغة للحائري وشرح نهج البالغة البن ميثم البح ارني وشرح نهج البالغة للسيد محمد حسين الجاللي وبعض الشروح األخرى التي تعددت عنواناتها فضال عن ذلك أط لعت على كثير من الد ارسات التي اختصت بالنهج وهي كثيرة وقد ات صلت بجميع فروعه اللغوية واألدبية والبالغية وغيرها وهذه الم ارجعات هي أت لي على وفق قد ارتي مناخا فكريا مناسبا لد ارسة الشرحين المذكورين وكانت الد ارسة باعتمادي على ثالثة كتب رئيسة في موضوعي كان األول هو نهج البالغة والثاني شرح نهج البالغة البن أبي الحديد وثالثها بهج الصباغة في شرح نهج البالغة للشيخ محمد تقي التستري وكانت البداية من بهج الصباغة حيث قمت باحصاء الردود من هذا الكتاب وأخذ النص المختلف أو المتفق عليه في بعض األحيان بين ابن أبي الحديد والتستري من نهج البالغة وأضيف للنص ما يتصل به من الخطبة حتى يكتمل معناه بعد ذلك أذكر ما قاله ابن أبي الحديد فيه وبعده انتقل ألذكر ما رد به التستري وأناقش آ ارء الشارح ي ن بروح علمية أجهدت نفسي أن أكون فيها موضوعيا بعيدا عن الميل والهوى 11

12 وقد اقتضت طبيعة البحث أن ينتظم في أربعة فصول يسبقها تمهيد وتتلوها خاتمة أما التمهيد فقد عرض فكرة موجزة عن نهج البالغة وما قيل فيه ومن ثم تناول الحديث عن شرح نهج البالغة البن أبي الحديد و األهمية التي امتاز بها هذا الشرح من غيره من الشروح حيث تقد م الجميع بمادته وشهرته ومن ثم الحديث عن ابن أبي الحديد المعتزلي بإيجاز الن التعريف الموجز خير من اإلغفال الكامل ومن بعد ذلك التعريف ببهج الصباغة وبمؤلفه بحديث مفصل عن حياته االجتماعية والفكرية ألن األصل في البحث يقوم على شرحه في ردوده واعت ارضاته أما في فصول الرسالة فقد سرت على وفق ماهو منهج علمي ثابت إذ تناولت القضايا التي تتعلق بمادة البحث بحسب ورودها في ( بهج الصباغة ) ففي كل مبحث كنت ابدأ بالقضايا المتعلقة بذلك المبحث من الجزء األول من ( بهج الصباغة ) ومن ثم انتقل إلى الجزء الثاني وهكذا حتى أصل إلى الجزء األخير من الكتاب فالقضايا والردود التي جاءت ضمن هذا البحث قد تسلسلت على وفق ما جاء في ( بهج الصباغة ) تكف ل الفصل األول بد ارسة الردود اللغوي ة في مبحثيه األول وهو مبحث )النقد اللغوي ) للتستري على ابن أبي الحديد ومخالفته آل ارئه في اللغة وقد عدت في ذلك إلى أغلب المعاجم اللغوية و منها الصحاح ولسان العرب وتاج العروس وغيرها واختتم المبحث بخالصة ت بي ن كيف كانت ردود التستري وعلى أي المعاجم اعتمد في بسطه آل ارئه اللغوية وتفنيده لبعض ما جاء به ابن أبي الحديد 12

13 وجاء المبحث الثاني من ( النقد النحوي ) إذ عرض آل ارء ابن أبي الحديد في النحو وما كانت ردود التستري على تلك اآل ارء وما االسباب التي تقف و ارء آ ارء االثنين من استعمال أحدهم لهذه القاعدة النحوية واآلخر لتلك واختالفهما في قضايا نحوية متشابهة ثم خالصة ذلك االختالف أما الفصل الثاني فقد اختص بالنقد األدبي فكان المبحث األول في النقد األدبي وجدنا ابن أبي الحديد والتستري كليهما ناقدين في هذا المبحث فقد عرض ابن أبي الحديد في شرحه لبعض األشعار الجاهلية واإلسالمية وأبدى أريه فيها وكانت للتستري في ذلك آ ارء أخرى في الشعر والشع ارء المذكورين وتلك اال ارء نقدية تكشف عن ذوق الشارحين في تلك المسألة أما المبحث الثاني ( النقد البالغي( فقد تناول فيه قضايا النقد البالغي التي مر عليها ابن أبي الحديد وعارضه التستري فيها وقد رك ز الشارحان على األساليب الجمالية التي وردت في نهج البالغة والتي كانت أغلبها مجازية غير حقيقية التعبير أما الفصل الثالث فهو) النقد التأويلي ) إذ رد التستري على كثير من القضايا التأويلية عند ابن أبي الحديد الختالف مذهبيهما من جهة وقدرة نص اإلمام على االنفتاح على معان كثيرة أما الفصل ال اربع وهو ( النقد التوثيقي ) وجاء في مبحثين األول مبحث نقد التوثيق األدبي وكان أشبه بالعمل التحقيقي وأعتمد البحث فيه على المصادر األدبية التي من خاللها أرجع األبيات الشعرية وبعض األمثال إلى قائليها من خالل االستعانة ببعض المصادر األدبية والدواوين الشعرية التي وردت فيها األبيات وبخاصة في العصر الجاهلي والعصور اإلسالمية الالحقة 13

14 أما المبحث الثاني من هذا الفصل فهو مبحث نقد التوثيق التاريخي الذي كث ف الحديث عن األحداث التي جاءت في صدر اإلسالم والعصر األموي وبعض القضايا من العصور األخرى وتكف لت الخاتمة ببيان النتائج التي توص ل إليها البحث وقد ذكرت فيها النتائج الرئيسة أما النتائج األخرى فقد وردت في صفحات الرسالة بقي أن نذكر بعض الصعوبات التي ارفقت وواجهت البحث منها ما يتصل بالنهج نفسه ومنها ما له عالقة بالمادة التي عدت إليها فيما يتعلق بالنهج من خاللها فهو المدونة الي استوعبت كلمات اإلمام علي وألن لغته عليه السالم هي قمة اللسان العربي وذات وجوه ودالالت مختلفة ال تنتهي عند معنى واحد وذلك كله كان سببا صعبا في د ارستها والوصول إلى ما نعتقده في النص وأغلب النصوص بحاجة إلى تأويل ألن المعاني قد أحيطت بس اردق من المعاني األخرى فتعدد األلفاظ في نهج البالغة أنتج ما ال يحصى من تعدد المعاني وذلك أمر ليس بالسهل على المتلقي بوصفه قارئا أو بوصفه دارسا أما الصعوبات األخرى فتمثلت في العودة إلى المصادر والم ارجع المختلفة التي منها قد اتصل اتصاال مباش ار بنهج البالغة ومنها ما كانت ذات عالقة ببعض المواضيع فالتنوع الثقافي والديني لدارسي النهج هو ما يجعل الد ارسة أكثر صعوبة ذلك ألن اآل ارء متعددة ومتنوعة وكثي ار ما نجدها متناقضة وهذا يتطلب كيفية ما يمكن توظيفه في د ارستنا بحسب الخدمة التي يقدمها لهذه الد ارسة وهنا نقول إن ما في هذا البحث من تسديد وصواب فهو من فضل اهلل تبارك وتعالى وتوفيقه ومن ه علي أوال ومن فضل استاذي المشرف د ياسر علي عبد الخالدي الذي تابع البحث مذ كان فكرة حتى استوى على ما هو عليه اآلن فله 14

15 مني الشكر كل ه على جهده وتوجيهه وحرصه فقد كان بحق أبا ومعلما فج ازه اهلل خير الج ازء فأحمد اهلل رب العالمين على ما أنعم وأما إن كان في البحث ضعف هنا أو نقص هناك فهو من ي لوحدي وذلك من طبع اإلنسان وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العالمين 15

16 التمهيد نبذة عن نهج البالغة لقد حظي نهج البالغة بنصيب وافر من اهتمام علماء االمة وأدبائها ومؤرخيها وباحثيها وكان من ثمار ذلك االهتمام تنوع الشروح والد ارسات التي شرحت النهج ودرسته كل د ارسة على وفق اتجاه صاحبها العلمي وكان التنوع في تلك االتجاهات نابعا من تنوع مادة النهج وتلو نها وما اشتمل عليه من لفظ منتقى ومعنى خصب ولم تقف أهمية نهج البالغة عند حدود دارسيه ممن تمت االشارة اليهم ضمن البيئة العربية واإلسالمية بل تعد ى ذلك إلى ترجمته إلى لغات أخرى )) : فكانت اول ترجمة لنهج البالغة حصلت في القرن العاشر إلى الفارسية ثم التركية ثم األوردوي ة ثم االنجليزي ة ثم االلماني ة (( فضال عن االهمية الدينية واألدبية والتاريخية التي يمتاز بها النهج فقد اشتمل على مادة علمية واسعة كانت هي السبب و ارء ترجماته تلك فضال عن هذا فقد كان الباعث الديني يحت م على بعض علماء الحديث في العصور المتقدمة وحتى المتأخرة بحفظ نهج البالغة كما يحفظون الق ارن الكريم كيف ال تكون هذه االهمية للنهج في نفوس متلق يه وقد أخذ أمير المؤمنين علومه من القرآن الكريم ومن النبي صلى اهلل عليه وآله وسلم على )) على توسيع الثقافة القرآنية في اذهان الناس (( وعمل في حياته أما المادة الديني ة في نهج البالغة هي سبب رئيس الهتمام شريحة اخرى من الناس بهذا السفر ألن ه حفظ لهم شؤون دينهم ودنياهم وآخرتهم على السواء 16 مسند نهج البالغة المجلد األول : 2 ينظر : م ن األثر القرآني في نهج البالغة : 30

17 ويمكن ان تعد هذه الشريحة هي االوسع في المجتمع االسالمي ألنها تجمع بين من اهتم باألدب والتاريخ والشرح فضال عن غير المهتمين بذلك فيتلقونه بأثر السلطة الدينية الروحية إن هذه االسباب اجتمعت لتكون من نتائجها الد ارسات المختلفة التي ع نيت بد ارسة مادة نهج البالغة إلن نصه ينفتح على دالالت اليمكن ان تجد حدا لها وتتعدد بتعدد الناظرين أو المتلقين أو المتأملين في الفاظه وعبا ارته ولغ ازرة المعنى الذي احتواه كالمه وهو ليس كالم االخرين من البشر يكون التلقي حسب االتجاه العقدي والمعرفي للشارح فهناك تفاعل بين النص ومستقبله فكالهما يكمل االخر فاالتجاه الثقافي والمحيط الديني هو الذي يحد د نوع التلقي ومن هنا تعد دت شروح نهج البالغة بتعدد اتجاهات الشارحين وكان من بين تلك الشروح التي تربو على المائة والخمسين شرحا منها )) شرح أبي الحسين البيهقي واالمام فخر الدين ال ارزي والقطب ال اروندي وكمال الدين محمد ميثم البح ارني من المتقدمين وحبيب بن محمد بن هاشم الهاشمي والشيخ محمد عبدة ومحمد نائل المرصفي من المتأخرين (( ومن خالل هذه الشروح يتضح أن لغة نهج البالغة تمثل فكر اإلمام وفي الوقت نفسه هي االداة التي تنقل هذا الفكر أهمية شرح نهج البالغة : يمكن أن يكون تقدم شرح نهج البالغة البن أبي الحديد هو أحد األسباب التي أدت إلى أهميته وشهرته فضال عن المادة التي احتواها وقد قيل في هذا 17 شرح نهج البالغة : 1/10 ينظر: أهل البيت في نهج البالغة :16

18 الشرح : )) يحتوي على مسائل مثيرة لم يحو عليها كتاب من جنسه (( فهو شرح امتاز عن غيره بمادته وشرحه وتعاطيه مع نصوص اإلمام من خطب وأحكام ورسائل ويبدو أن االتجاه العقلي البن أبي الحديد قد سما بشرحه ليكون المقدم على تلك الشروح األخرى على الرغم من خضوعه في مواطن كثيرة من شرحه إلى عقيدته لقد شرع ابن أبي الحديد في تأليف شرحه في غرة شهر رجب من سنة 641 ه وأتم ه في أواخر صفر من سنة 644 ه فقد مضى أربع سنين وثمانية أشهر وقيل إن مقدار شرحه لشرح النهج دام بقدر مدة خالفة اإلمام علي وقد قسم على عشرين جزءا شرح ابن أبي الحديد الكلمات شرحا دقيقا مفصال مشتمال على الغريب وعلم البيان وتعرض بالذكر إلى بعض السير والوقائع واألحداث وخاصة ما جاء من أحداث ومعارك وتحوالت في زمن اإلمام وترجم لبعض أصحاب اإلمام وبعضا من خصومه ممن جاء ذكرهم في النهج وممن لم يذكر ص ارحة وانما من خالل شرحه ذكر بعضا ممن لم يذكرهم اإلمام فقد تأول كالم اإلمام في كثير من المواطن ليقترب أكثر إلى معناه وال يكفيه االستناد إلى ظاهره فكانت المعطيات اللغوية والداللية والعقلية في النص هي أول الشف ارت التي من خاللها يمكن ان يترجم نص االمام علي على وفق ما ي اره هو بنظرة عقلية اعت ازليه وقد امتاز شرحه بالج ازلة الركاكة وااليهام وكان دأبه االسلوب واالبتعاد عن الخلل والتعقيد والتجافى عن الرصين والتعبير الفصيح وابتعاده عن 18 الفلك الدائر على المثل السائر : 16/4 ينظر : شرح نهج البالغة : 10 ينظر : شرح نهج البالغة : 12/1

19 التورية واللغة المبطنة فكلماته سهلة المنال للقارئ ال يبذل جهدا في معرفة ك نهها فهو حريص على ارواء ظمأ الباحث أو القارئ الذي يريد أن يفهم نهج البالغة لذلك كان الشرح ترجمة فضال للنهج عم ا ذ ك ر من المادة التي احتوى عليها الشرح التي تطرقت لمختلف العلوم يضاف لها مادته النقدية فقد اشتمل على مادة ادبية ع ل جت معالجات نقدية من قبل الشارح مثال والقارئ لشرح نهج البالغة يجد امثاال كثيرة ويمكن انها تجاوزت الثالثمائة لذلك نجد أن الش ارح الذين تأخروا عن ابن ابي الحديد كانوا يعتمدون شرحه مرجعا لهم ويمكن ان تقارن مادة تلك الشروح بمادة شرح ابن ابي الحديد فهو المثال األعلى للشروح في معرفة قيمتها العلمية فهو القطب الذي تدور في فلكه كلها وهو الشرح المتصدر بشهرته ومادته وفائدته باعتماده مرجعا للقريبين من زمنه ومصد ار للعصور البعيدة عنه حتى عصرنا الحاضر فهذا الكتاب هو منجم لكنوز دفينة ال يمكن ان تقوم بثمن وهذه القضايا االنفة الذكر كانت اسبابا ليكون شرح نهج البالغة البن ابي الحديد جدي ار بأن يتقدم كل الشروح زمانيا وخزينا معرفيا وبهذا التنوع الشديد صار ))كتابا كامال في فنه واحدا بين ابناء جنسه ممتعا بمعانيه جليلة فوائده شريفة مقاصده عظيما شانه عالية منزلته ومكانته )4( )) ابن أبي الحديد المعتزلي : ينظر : أصول الفكر البياني العربي ابن أبي الحديد نموذجا : ينظر : مجلة اللغة العربية وآدابها العدد 75 : 9 ينظر : أصول الفكر البياني العربي ابن أبي الحديد نموذجا : 19 )4( شرح نهج البالغة : 12/1

20 هو عز الدين أبو حامد بن هبة اهلل بن محمد بن محمد بن الحسين ابن ابي الحديد المدائني ولد ابو حامد في عام ه وكانت وفاته في عام ه فبين هذين التاريخين من والدته إلى وفاته عاش حياة جمعت بين مختلف العلوم المعرفية واألدبية والعقدية وخل ف لنا العديد من المؤلفات التي ع د ت شاهدا على تلك العلوم وكان من أشهرها شرحه لنهج البالغة كانت والدته بالمدائن في شهر ذي الحجة من العام المذكور ونشأ بهذه المدينة وأخذ علومه على يد شيوخها فدرس بعض المذاهب الكالمية بعد ذلك بدأ بالميل إلى مدرسة االعت ازل بعد أن كان على المذهب السائد في المدائن آنئذ وهو التشي ع فقد تركه واعتنق االعت ازل جاء ذلك التحو ل العقدي في حياته بسبب معاصرته لنهايات العصر العباسي فشهد هذا العصر مختلف المدارس واالتجاهات والتجاذبات الفكرية كان اعت ازله نتيجة لتلك الحاالت كان أدبيا متضل عا وسعته في معرفة أنواع الفنون األدبية من بالغة ونحو وأدب هي ما مك نته أن يكون شارحا من أشهر الشر اح وأن يكون ناقدا حاذقا هذا فضال عن معرفته بأيام العرب واط العه على لهجاتها وكتابه الموسوم ب)) الفلك الدائر على المثل )4( السائر (( دليل على بعد غوره ورسوخ قدمه في نقد الشعر وفنون البيان فحياته األدبية التي جاورت الحياة العقلية والدينية له كان لها األثر في ساحة المعرفة العربية ويقف شرحه الخالد شاهدا على ما قد م فضال عن هذا فيذكر انه كان محققا ترك خلفه ما يصعب عد ه من المواد األدبية المحققة شرح نهج البالغة : 13/1 ينظر : ابن أبي الحديد سيرته وآثاره األدبية : ينظر : شرح نهج البالغة : 14/1 )4( شرح نهج البالغة : 13/1

21 وباألخص الشعر فكان يوثق النصوص الشعرية الواردة في كتاباته بالعودة دواوين الشع ارء الذين تعر ض بالذكر إلى شعرهم إلى وابن أبي الحديد نفسه ي عد شاع ار وله ديوان شعر بأيدي الناس ولديه قصائد في مدح االمام ويمكن ان تقف في مقدمة قصائده ولم تقتصر حياة ابن ابي الحديد على مجاالت الفكر المختلفة بل كان أحد جوانب حياته سياسيا وقد عمل في هذا المجال في زمن عدد من الخلفاء العباسيين فعمل كاتبا دار التشريفات والديوان وبعد ذلك ف و ض اليه أمر خ ازئن الكتب )4( في بغداد إن كل هذه االتجاهات المعرفية الدينية واالدبية من جهة والسياسية من جهة اخرى لدى ابن ابي الحديد تكاثفت وتعاضدت لتعطيه هذه المكانة العلمية واالدبية وتلك الشهرة التي كتبت له في حياته وبين معاصريه حتى وفاته إلى يومنا هذا بهج الصباغة في شرح نهج البالغة : جاء بهج الصباغة في شرح نهج البالغة في أربعة عشر جز ءا و يع د من المهمة الشروح لنهج البالغة ذلك أل ن التستري شرح النهج بروايات عن رسول اهلل صلى اهلل عليه واله وسلم أهل وعن بيته الطاهرين واألهمية األخرى لهذا الشرح هو انه رت به على شكل موضوعات فالقضايا التي تناولها الشارح كانت حسب المناسبة التي وردت فيها ال حسب ترتيبها الزمني الذي وردت فيه ضمن خطب االمام علي على وفق ترتيب الشريف الرضي ينظر : اصول الفكر البياني العربي ابن ابي الحديد انموذجا: 118 ينظر : المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي : 149/7 ينظر : الوافي بالوفيات 48/18: )4( ينظر : شرح نهج البالغة : 15/1 21

22 امتاز كما هذا الشرح ببيان األمور اللغوية واألدبية فهو من الكتب الثمينة التي ت غني كل محق ق نهج البالغة وباحث ومثقف أ ارد البحث أو الد ارسة أو التعرف على فهو من الكتب الت ارثية التي تضمنت معظم فكر أهل البيت عليهم السالم وفضال عن مناقشته لألمور الدينية واالدبية واللغوية وبالخصوص ما يرتبط بموضوعنا في خالفاته ونقاشاته آل ارء ابن ابي الحديد فقد ناقش آ ارء الكثير من الش ارح ممن سبقوه منهم ال اروندي وابن ميثم البح ارني وذكر بعض ما جاء في منهاج الب ارعة للخوئي من قضايا كانت لها صلة بمسائل قد وردت في شرحه ولكن وقوفه األطول واألهم كان مع شرح ابن أبي الحديد إذ صر ح أن فيه معايب كاإلف ارط في نقل التاريخ واألدب فضال عن األوهام الكثيرة في الباب أو وهذا موضع بحثنا هذا إن شاء اهلل ولعل في قوله اآلتي بيان لمنهجه : ))وليس دأبي دأب أكثر الش ر اح يذكر الالحق ما قاله السابق في صورة اإلنشاء منه فإنه نوع سرقة وما فيه بال نسبة فهو من ي وحيث إن ترتيب المصن ف للكتاب بالخطب والكتب والكلمات القصار ترتيب لفظي أحببت ترتيبه بالمعنى فجمعت ما يكون ارجعا إلى التوحيد مثال في موضع وما يكون ارجعا إلى النبو ة في موضع والى اإلمامة في موضع وهكذا كل موضوع (( وهذا يدل على أن التستري قد ارجع العديد من الشروح فضال عم ا ذكرنا حتى تولدت لديه مجموعة افكار نضجت ضمن مناخ فكري وظ فه في شرحه وهو بذلك أ ارد أن يطلع القارئ على بعض اآل ارء في الشروح المتفرقة ليخلق لدى القارئ أفكا ار متعددة يمكن لها ان تتيح له الوقوف على حقائق االشياء 22 ينظر : بهج الصباغة : 5/1 ينظر م ن 124/1 بهج الصباغة : 126/1

23 فيما جاء عن اإلمام وبذلك نالحظ أن بهج الصباغة قد آمتاز عن شرح نهج البالغة ألبن أبي الحديد باعتماده على ا ارء من سبقه من الشر اح وبالخصوص من ذكرناه فضال عن م ازياه األخرى التي مر ذكرها وهو أخذه بروايات رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم وآل بيته الطاهرين عليهم السالم فضال عن ترتيبه على شكل موضوعات قد جمعها بحسب المناسبة التي وردت فيها كما مر انفا الشيخ محمد : التستري تقي هو الشيخ محمد تقي بن كاظم بن الشيخ محمد علي بن الشيخ جعفر التستري الشهير ويبدو جده هذا أ ن الشيخ جعفر قد حصل على شهرة في زمانه ال تقل عن شهرة حفيده كما يظهر ذلك من أخباره ولد الشيخ التستري في النجف االشرف في عام ) 1320 ه( وقيل انه ولد في عام ) 1321 ه( في بيت علمي معروف بالتقى والزهد عاش في تلك المدينة المباركة إلى أن أتم والده د ارسته العليا ونال درجة االجتهاد بعد ذلك عاد إلى مدينة )ت ستر( في اي ارن التي ترجع بداياتهم االولى اليها وبدأ بد ارسة العلوم االسالمية والقرآن الكريم عند أساتذة تلك البلدة وعندما بدأت السلطات في ذلك الوقت بمعارضة المظاهر االسالمية وخاصة الحجاب غادر شيخنا مع عائلته إلى كربالء وهناك واصل د ارسته العالية في هذه المدينة المقدسة والتقى بالعالمة ينظر: قضاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : 3 ينظر : طبقات أعالم الشيعة : 256/13 ينظر قاموس الرجال :3 23

24 أغا بزرك الطه ارني ونال منه إجازة نقل الحديث وبعد سبع سنوات عاد الشيخ إلى مدينة )تستر( وأقام فيها حتى وفاته آبائه ح ب ع ىل التستري نشأ طلب العلم والمعرفة عن ورثه الذي وانظم الى حلقات الدرس المنتشرة في المدارس الدينية في مدينة كربالء حتى وصل إلى مرتبة علمية كبيرة دل ت على سعة معرفته ونفاذ بصيرته وقدرته على استنطاق النصوص وخاصة فيما يتصل بعلم الرجال كما يظهر ذلك في كتابه الرجالي ( قاموس الرجال ) وفي كتابه ( بهج الصباغة ) هذا فضال عن أن هذه المكانة العلمية توض حت من خالل ما تركه من مؤلفات كثيرة ومهم ة كلها مطبوعة اإل رسالة سهو النبي فهي مخطوطة نذكر بعضها فيما يأتي: 1 آيات بينات في حقيقة بعض المنامات 2 األخبار الدخيلة 3 األربعينيات الثالث وطبع بأسم )األربعين حديثا( 4 األوائل 5 البدائع 6 بهج الصباغة في شرح نهج البالغة 7 تحقيق المسائل وهو شرح على الروضة البهية ( شرح اللمعة الدمشقية ( 8 جوامع أحوال األئمة 24 ينظر بهج الصباغة :4/1 ينظر : قاموس الرجال : 5 1/6

25 9 الرسالة المبصرة في أحوال أبي بصير 10 رسالة سهو النبي )مخطوط ) 11 شرح تنقيح المقال 12 قاموس الرجال قضاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السالم 13 وقد استمر الشيخ محمد تقي التستري في التأليف والتحقيق وخاصه فيما يتعلق بفكر أهل البيت واستمر على تلك الوتيرة العلمية في مدينة كربالء إلى أن - ش ) عاد إلى مدينة تستر عام )1321 ه وقد أقام في تلك البلدة وعمل بالتدريس فضال عن استم ارره بالتحقيق واإلرشاد والتأليف إلى أن توفاه اهلل عن عمر قارب التسعين عاما بعض أساتذته: السي د حسين النوري الس يد محمد علي اإلمام السي د علي أصغر الحكيم )4( السي د محمد تقي شيخ اإلسالم )5( السيد مهدي آل الطيب 25 ينظر : قاموس الرجال :4/1

26 )6( والده الشيخ كاظم بن الشيخ محمد علي 26 ينظر بهج الصباغة: 4/1

27 الفصل األول الردود اللغوية 27

28 المبحث األول : النقد اللغوي إن لغة نهج البالغة ليست كغيرها من اللغات التي تهدف إلى ايصال المعنى سواء أكان ذلك المعنى منقوال بلغة تداولية نفعية ال تريد أن تتناول الجوانب الجمالية في الكالم أم بلغة تحتوي على المحسنات اللفظية فيكون هدفها نفعيا أو إفهاميا جماليا هذا في اللغة المتداولة أو لغة األدب أما لغة نهج البالغة فتختلف عن تلك اللغة التي أشرنا إليها فهذه هي لغة اإلمام علي أعلى من كالم جميع البشر مهما كانت صفاتهم العلمية وهذا ملموس في نهج البالغة إذا ما قارناه مع كل الكتب والمؤلفات على مر العصور واختالف مؤلفيها فالكل يعد أقل من نهج البالغة ببالغته ولغته وعلومه أيضا فلغة علي أعلى من لغة البشر وأقل من لغة القرآن الكريم فلغته ال تنتهي عند داللة واحدة فهي قابلة للتأويل على عدة وجوه ومعان بحسب مرجعيات المؤلف الدينية واالجتماعية والدليل على تعدد التأويالت وتن وعها حول كالمه عليه السالم أننا ندرس الشارحين في زمنين مختلفين كل منهما يشرح كالم اإلمام عليه السالم ويأوله على المعنى الذي يتناسب مع أفكاره وهو ما أحيط به من مؤث ارت تجعل من فهمه للنص مختلفا عن اآلخر وش ارح نهج البالغة كثيرون فقد تعددت شروحه وش ارحه وفي األعم األغلب نجد الش ارح مختلفين في توجيه كالمه ذلك بسبب لغته التي تحمل أكثر من وجه ومعنى أما إذا تركنا الش ارح وذهبنا إلى الد ارسين نجد تعدد آ ارئهم بتعدد عناوين كتبهم وسبب هذا االختالف بين الش ارح أنفسهم وبين الدارسين لنهج البالغة هو تلك اللغة الحية في ذلك النص ومع تنوع الثقافات اإلسالمية المتلقية لهذا النص فالدارس يفهم النهج بحجم ثقافته ومعرفته فكلما إزدادت سعته الفكرية إزدادت معاني النص وكلما انحسرت تلك الثقافة عند الدارس 28

29 تأطرت لغة النهج بالنسبة له وضاقت حدودها المعرفية ونتناول هنا بعض القضايا اللغوية التي تطرق إليها ابن أبي الحديد مع ما رد عليه التستري فيها شرح ابن أبي الحديد قول اإلمام : )) أنشأ الخلق إنشاء وابتدأه ابتداء بال روية اجالها وال تجربة استفادها وال حركة أحدثها وال همامة نفس لقد اتجه ابن أبي الحديد في شرحه إلى كلمة )همامه( إذ اضطرب فيها (( قال فيها : إن الهمامة اصطالح للث ن وي ة وقال أصحاب ( المقاالت ) : إن همامة من النور وهمامة من الظلمة أي : قطعة منهما غ يرتا أوال ثم تقارنتا حتى ابت ني منهما هذا العالم المحسوس وان أمير المؤمنين رد عليهم في اصطالحهم وليست بلفظة عربية وقد رد التستري على قول ابن أبي الحديد : )) إن ابن أبي الحديد ال ي ارجع غير ( الصحاح ) وحيث لم يذكرها جعل اللفظة غير عربية (( لقد ذكر صاحب لسان العرب عددا من المعاني لتلك اللفظة المختلف عليها والمعنى الذي تبن اه التستري ال يدخل ضمن معنى سياق قوله فإذا أردنا التسليم بما قاله التستري يكون المعنى ذاته مقحما في خطبته إذ أنه أخذ من ابن منظور قوله : )) واله م بالكسر الشيخ الكبير البالي واألنثى هم ه بي نة )4( الهمامة )) وقال التستري : )) الصواب أن يقال إنه يجيء مصد ار من هممت بالشيء إذا قصدته كما في كالمه )5( وهو على القياس (( 270 نهج البالغة : 16/1 ينظر: شرح نهج البالغة : 80/1 بهج الصباغة : 201/1 )4( لسان العرب 621/12: وينظر : المخصص : )5( بهج الصباغة : 202/1 29

30 وهذا المعنى يكون ملفقا للنص الذي جاء به اإلمام ألن مثل هذا الكالم يكون غامضا لم نجده في نهج البالغة والبد من ذكر ما جاءت به كتب اللغة وأبرزها قول ابن منظور والذي يمكن أن يعد مقبوال ضمن البنية المعنوية للنص فضال عم ا ذكرناه قبل قليل فقد جاء في اللسان : )) الهم : زن وجمعه ا حل هموم األمر هم ا ومهمة وأهمته فآهتم وآهتم به (( فإذا أخذنا هذا المعنى وقلنا إ نه الذي أ ارده اإلمام نجده قد يكون منسجما مع قوله فإذا كانت الهمامة بمعنى هم النفس نالحظ أنه يذكر عدم االضط ارب مع الهمامة أو ما يعني به الهم الذي أشتق أو أخذ منها وذلك ليس من صفاته تعالى ألن مثل تلك الحالة هي من صفات الجسد واهلل تبارك وتعالى ليس كمثله شيء وقد تنز ه عن مجانسة صفات مخلوقاته فاإلمام أبعد نسبة تلك الصفات اإلنسانية عن الذات اإللهية وهذه فقرة ضمن فقار الخطبة التي كان فيها ينفي صفات الخلق عن الخالق وضمن السياق اللغوي والق ارئن الدالة التي جاءت في تلك الخطبة توج هت داللة الكلمة إلى غير ما ذهب إليه ابن أبي الحديد والتستري آخ ر وقول من أقوال اإلمام علي أفق السماء وما شت عنه بروق الغمام (( : )) وما يتجلجل به الرعد في تال شرح ابن أبي الحديد كلمة )تالشت( التي وردت فيه فقال : )) أهمل بناء تالشت كثير من أئمة اللغة وهي صحيحة وقد جاءت ووردت قال ابن األع اربي لشا الر جل إذا اتضع واذا صح أصلها صح استعمال الناس تالشى الشيء بمعنى وخس بعد رفعه اضمحل (( 30 لسان العرب 619/12: نهج البالغة 105/2: شرح نهج البالغة : 87/10

31 وعلى قوله رد التستري : )) لم يتفطن ابن أبي الحديد أن )لشا الرجل( الذي ذكره ابن األع اربي أيضا أصله من ال شيء والم ارد أنه كان شيئا ثم صار شيئا (( وعند النظر إلى هذين ال أريين ن جد أنهما لم يختلفا في المعنى والداللة لكن التستري قد أخذ قول ابن أبي الحديد وكان أكثر اتساعا في شرحه إذ أنه باعد بين الكلمتين )شيء وال شيء( وقد أشارت المعاجم اللغوية إلى كلمة ( تالشت ) فجاء قول بعضهم : )) بعد رفعته ( (( تالشى الشيء : إذا اضمحل وقال ابن األع اربي : إذا ( خ س نالحظ أن كالم ابن األع اربي )خس بعد رفعة ( أي كان هذا الشيء أو الشخص موجودا شامخا وبعد ذلك خس أي قل ت قيمته وتحج مت رفعته وقل شأنه أي بدأ باالختفاء والضياع أي أنه تحول من الكون إلى العدمية حتى وان اختفاؤه لم يكن عن األنظار وانما تالشي وضاع ت منزلته ورفعته ومثل هذه الظاهرة التي تحدث عنها ابن أبي الحديد وتبعه التستري في وصفه لها أي كلمة ( تالشت ) فقاال : ( تالشى الشيء ) وقاال : ( كان شيئا ثم صار ال شيء ) فهاتان الكلمتان المتقاربتان من حيث اللفظ قد شكلتا كلمة واحدة فهذه الظاهرة التي يطلق عليها اللغويون مصطلح ( النحت ) وعرفوه بقولهم : )) نزع لفظ من آخر شرط مناسبتهما معنى وتركيبا ومغايرتهما في الصيغة )) 31 بهج الصباغة : 332 تاج العروس : 454/39 التعريفات : 27

32 فضال عن هذا يكون االشتقاق لفظا مأخوذا من لفظتين أو أكثر تكو ن كلمة واحدة تعطي داللة على األلفاظ التي ن حتت منها فهي الكلمة التي و لد ت من اجتماع كلمتين أو أكثر فلفظة تالشت في قول اإلمام كانت قد نحتت أو اشتقت من لفظتين اثنتين فصارت كلمة واحدة ولعل هذه الظاهرة اللغوي ة التي أريناها في هذا الشاهد اللغوي مم ا أعان علماء اللغة على االلتفات إليها والتنظير لها فيما بعد وشرح ابن أبي الحديد داللة كلمة ( اجتالت ) في قوله اهلل إليهم فجهلوا حقه واتخذوا االنداد معه واجتالتهم الشياطين عن معرفته(( : )) عهد بقوله : )) اجتال فالن فالنا واجتاله عن كذا وعلى كذا أي : أداره عليه كأنه يصرف تارة هكذا وتارة هكذا يحس ن له فعله وي قر به به (( وقد رد التستري )4( بقوله : )) بل قوله ليس بشيء لعدم ذكره في لغة (( إن ما ذكره ابن أبي الحديد لم نقف عليه في كتب اللغة كما قال التستري والتي عدت إليها أو البعض منها وقد وجدت ما هو قريب من ذلك المعنى وليس هو المعنى بعينه إذ جاء قولهم : )) جول : تجولت البالد وجولتها تجويال أي )5( جلت فيها ( كثي ار ( والجوالن( الت ارب الذي تجول به الريح على وجه األرض (( ونرج ح أن ابن أبي الحديد نظر إليه فيما أورد من معنى ألن الريح تجول بالت ارب على وجه األرض تارة هكذا وأخرى هكذا فأخذ هذا المعنى وفس ر قول اإلمام عليه السالم من خالله وال وجه العت ارض التستري عليه ألنه أخذ من داللة الجذر ( 184 ينظر : المباحث اللغوية في شرح نهج البالغة البن أبي الحديد : نهج البالغة : 23/1 شرح نهج البالغة :114/1 )4( بهج الصباغة : 21/2 32 )5( العين : 181/6

33 ج ول ) ووجه على هذا النحو هذا من جهة أما من الجهة األخرى فإن التستري لم يأت بمعنى آخر ( ألجتال ) حتى يوجه به قول اإلمام وبذلك يسو غ اعت ارضه السالم وي فس ر ابن أبي الحديد ليوجه داللة كلمة : )) األنباء (( ضمن خطبته : )) وب ط ل الج ازء واضمحلت األنباء (( الخبر أي : لسقط الوعد والوعيد (( عليه بقوله : ))األنباء جمع نبأ وهو وقد التفت التستري إلى داللة أخرى غير التي وجهها ابن أبي الحديد فقال : )) يحتمل أن يكون اإلنباء بكسر الهمزة : مصدر أنبأ والم ارد إرسال األنبياء (( يبدو من خالل ما ذكره االثنان إن كالم ابن أبي الحديد هو أكثر توافقا وانسجاما مع قوله إذ أن اإلمام أشار إلى سقوط االبتالء وبطالن الج ازء وهو وجه الوعد والوعيد والكالم هنا هو عم ا يريده اهلل من المسلم في اآلخرة أما إرسال األنبياء فهو أقل اتساقا مع السياق وان كان كالم التستري ليس بعيدا في داللته عن السياق ليشرح قوله والى قضية أخرى من القضايا اللغوية في صلى اهلل عليه وآله وسلم )4( : )) وأنار علما لحابس (( نهج البالغة ذهب ابن أبي الحديد بقوله : )) يعني نصب النبي )5( لمن قد حبس ناقته ضالال فهو يخبط ال يدري كيف يهتدي(( 33 نهج البالغة : 145/2 شرح نهج البالغة : 153/13 بهج الصباغة : 50/2 )4( نهج البالغة : 204/1 )5( شرح نهج الباغة : 173/7

34 وقد كان للتستري أري آخر قال فيه : )) أن تخلف عن الركب فتحي ر (( الحابس بمعنى ال ارجل الذي يت ضح لنا أن الشارحين قد دا ار حول معنى واحد فما قاله التستري يعني الواقف المتحي ر وهو ما قاله ابن أبي الحديد في اإلطار العام للكالم فالذي يتخلف عن الركب يحبس ناقته ضالال بيد أن ما يستحق الذكر هنا أن كتب اللغة لم تعط هذا المعنى تماما وانما قد اقتربت منه فقد جاء : ))والعاهن الحابس(( وال ارجح ان االثنين قد أخذا هذا المعنى واألقرب إلى الحقيقة كما يبدو في قول التستري وقد ذكر )الرجل الذي تخل ف عن الركب( والذي يحبس ناقته ويمتنع عن الحركة هو من تاه وال يدري أين يذهب وذهب ابن أبي الحديد ليعلق بقوله شارحا لكالم اإلمام : )) دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز (( بقوله : )) أكثر ما يستعمل العفطة في النعجة فأما العنز فالمستعمل األشهر فيها النفطة بالنون ويقولون )) ما له عافط وال نافط )4( أي نعجة وال عنز (( وقد رد التستري متمس كا بتفسير العافطة بالماعزة ألنه المروي عن األع ارب وهم أهل اللغة التي لم تختلط بها العجمة وان معاجم اللغة ذكرت المعنى الذي أخذ به التستري فجاء في لسان العرب : )) العافطة : النعجة والماعزة تعفط )5( عفيطا (( 34 بهج الصباغة : 245/2 الجيم : 302/2 نهج البالغة : 37/1 )4( شرح نهج البالغة : 203/1 )5( لسان العرب : 352/7

35 ومن خالل ما ذكره ابن منظور وتقديمه للنعجة في نسبة العفطة لها على الماعزة إن األصل هو النعجة وقد يكون لقرب الماعزة من النعجة في الفصيلة الحيوانية فإن ما جاء فصار المعنى أوسع وأخذ يطلق على االثنين معا فضال عن ذلك في معاجم اللغة قولهم فالعافطة : العنزة والنافطة الضائنة (( وحول داللة كالم اإلمام ابن أبي الحديد ذلك بقوله : )) معنى قوله أيديهم وسيوفهم عن أن يثبتوا الحرب : )) تقول العرب : ما له عافطة وال نافطة شرح : )) واشتالوا عن لقاح حربهم (( واشتالوا عن لقاح حربهم رفعوا )4( بينهم وبين هذه الفئة مهادنة (( لكن التستري قد وج ه الكالم توجيها آخر كان مختلفا عم ا ذكره ابن أبي الحديد فقال :)) من المحتمل أن يكون أن تول د حربهم صار قريبا كناقة صار )5( وضعها قريبا (( ومعاجم اللغة تؤيد قول التستري فقد جاء فيها : )) اشتال )6( بمعنى شال كارتوى بمعنى روي يشول بالشيء أي يرفعه (( والحق إن ما جاء به ابن أبي الحديد يتوافق مع االستعمال االجتماعي للفظة وكما ذكر المعجم فهو متفق مع قول ابن أبي الحديد تاج العروس 168/4 ينظر : الحيوان : 142/10 جمهرة اللغة : 914/2 ينظر : الصحاح 143/3 المخصص : : 480/19 والمثل في : مجمع األمثال 268/2 نهج البالغة : 36/2 )4( شرح نهج البالغة : 13/9 )5( بهج الصباغة : 171/6 )6( تاج العروس : 306/29 ينظر : لسان العرب : 376/11 35

36 أما التستري قد نحا باللفظة نحو المجاز واستبعد المعنى الحقيقي على الرغم من أنه كثي ار ما كان يأخذ على ابن أبي الحديد ذهابه إلى المجاز في مواطن كثيرة في شروحه إال ان الواقع التي جعل التستري يوج ه هذه اللفظة إلى التوجيه المجازي ا هو المناخ الفكري الذي نشأت ونضجت فيه افكاره فهو ابن بيئة ترى في المجاز القرآني سر من أس ارر اعجاز القرآن وسر ا من أس ارر نهج البالغة وقد ذهب ابن أبي الحديد إلى شرح داللة قوله إقبال العوذ المطافيل (( : )) فأقبلتم إل ي بقوله : )) العوذ : الناقة إذا ولدت عن قريب والمطافيل : هي التي ازل عنها اسم العياذ ومعها طفلها وقد تسمى المطافيل عوذا إلى أن يبعد العهد بالنتاج مجا از وعلى هذا الوجه قال أمير المؤمنين إقبال العوذ المطافيل واإل فاالسمان معا ال يجتمعان حقيقة (( وقد رد التستري على ذلك بقوله : )) ما ذكره غلط كيف ال يجتمع االسمان )العوذ( و )المطافيل( وقد قال في ( الجمهرة ) : والعوذ المطافيل من اإلبل الحديثات العهد بالنتائج التي معها أوالدها (( إن ما ي اره التستري ليس خالفا لغويا في أصله وانما هو خالف على جواز اجتماع هاتين الكلمتين ( عوذ ومطافيل ) في جملة واحدة إال في المجاز كما ذهب لذلك ابن أبي الحديد ألنهما صفتان مختلفتان فكل منهما تناسب حالة معينة لإلبل 36 نهج البالغة : 20/2 شرح نهج البالغة : 38/9 بهج الصباغة : 387/9

37 لكن هاتين الكلمتين قد اجتمعتا في كالم العرب فجاء في قولهم : )) سارت قريش بالعوذ المطافيل أي النوق الحديثات النتاج ذوات األطفال (( يحتمل أن يكون الذي دفع ابن أبي الحديد ليقول إن هاتين الكلمتين ال تجتمعان على سبيل الحقيقة إال في المجاز على الرغم من إجماع أغلب معاجم اللغة على صحة اجتماعهما على الحقيقة هو معتقد ابن أبي الحديد المعتزلي والذي يرج ح ما يقوله العقل حتى وان كان على حساب النص فوجد أن العوذ هي التي ولدت من قريب و) المطافيل ) : هي التي ازل عنها أسم العياذ ففي حكمه العقلي اليمكن أن يجتمع هذان المعنيان أحسبهما متباعدين ولكن اإلمام عليه السالم جمعهما إذ لم يكن لذلك وجه بالغي أو أثر لغوي فذهب ابن أبي الحديد إلى ما ذهب إليه وقال : جمعهما وان اإلمام أما التستري فقد اعتمد على كالم العرب الذي اجتمعت فيه هاتان الصفتان كالمها وهو ما أورده ابن منظور أ ارد بها ( النساء والصبيان ) وهذا ما أشارت إليه العرب في واستشهد على هذه الداللة بقول اإلمام هذا ومن هنا صح الذي ذهب إليه التستري أيضا ألن العوذ التي يعوذ بها ولدها فإذا اشتد صارت مطافيل واإلمام هنا يريد أن يبي ن ضعفهم فكانوا كالعوذ التي تلجأ لمن يحميها وان كانت مطافيل 134/2 الفائق في غريب الحديث واألثر: 41/3 ينظر : غريب الحديث البن الجوزي : النهاية في غريب الحديث واألثر :130/3 لسان العرب : 500/3 37 لسان العرب : 175/8

38 وحول داللة : )) وقد تواترت عليه األخبار (( قضية لغوية أخرى ذهب ابن أبي الحديد ليعل ق على قول الرضي ومنه قوله سبحانه : ثم أرسلنا رسلنا تت ار ليس الم ارد أنهم مت اردفون بل بين كل نبيين فترة (( بن أبي بكر بقوله : )) التواتر ال يكون إال مع فت ارت وقد رد التستري على ابن أبي الحديد معترضا بقوله : )) في خبر نعي محمد حدثه الف ازري : أنه لم يخرج من الشام حتى قدمت البش ارء من قبل عمرو بن العاص تترى أي يتبع بعضها بعضا بفتح مصر وقتل محمد(( لقد اتفقت أغلب المعاجم على معنى التواتر وهو التتابع إال أن ابن أبي الحديد تفرد بما أورده معتمدا على ما يستنبطه بنفسه من النص فضال عن عقيدته التي تؤثر في توجيه النص إن ابن أبي الحديد استدل على معنى التواتر باعتماده على قوله تعالى ث م ك ذ ب وه ر س ول ه ا أ م ة ج اء م ا ك ل ت ت ر ا ر س ل ن ا أ ر س ل ن ا تفسير هذه اآلية فذكر الزمخشري قوله : )) )5( من الوتر وهو الفرد (( )4( تترى أي وقد تحدث المفسرون عن متواترين واحد بعد واحد ومن خالل ما ذكره المفسرون يمكن أن نقبل أري ابن أبي الحديد ألن المتواترين الواحد بعد الواحد وهنا لم يتضح لنا هل ان الواحد بعد الواحد يعني النبي بعد النبي بفاصل زمني أم لم يفصل بينهما زمن فلذلك يمكن ان يكون كالم ابن أبي الحديد مقبوال فكان توجيه الكالم أن الرسل لم تأت في زمن واحد بل تغير نهج البالغة :63/1 333/1 شرح نهج البالغة : 338/10 بهج الصباغة : 44 )4( سورة المؤمنون : 16/15 ينظر : تفسير ابن كثير : تفسير المي ازن : 123/ /3 )5( الكش اف :

39 األزمنة واألمكنة فيكون بين رسول وآخر استطاع وقد يكون استدل على ذلك بالفترة الزمنية التي كانت بين المسيح والرسول محمد صلى اهلل عليه وآله وسلم ومن قبلهما أي بين موسى وعيسى عليهما السالم ثم وظ ف هذه اآلية المباركة لتكون سندا عقائديا لغويا لفكرته ويمكن أن نقبل أري التستري ألنه أ ارد من تترى أن يتبع بعضهم بعضا فالمفسرون وأهل اللغة ذكروا اتباع بعضهم البعض لكن لم يقل أحد هل هذا التتابع كان بانقطاع أو بغيره فنقف أمام ال أريين ال نستطيع ترجيح أري على اآلخر لمتانة كل منهما والى موضع آخر وحول داللة كالم اإلمام ابن أبي طالب انف ارج ال أرس (( : )) شرح ابن أبي الحديد قوله قد انفرجتم عن : )) انفرجتم انف ارج ال أرس أي كما ينفلق ال أرس فيذهب نصفه يمنه ونصفه شأمة (( وقد رد التستري بقوله : )) األصح قول ابن دريد (( )4( )) إن ال أرس إذا انفرج عن البدن ال يعود إليه (( وقول ابن دريد هو : واذا عدنا إلى المعاجم اللغوية نجد فيها : )) نعص : النعص : االنف ارج )5( وانفعص الشيء أي انفتق (( وبناء على هذا ان االنفتاق هو االنف ارج فإذا عرضنا هذا القول على ما ذكره ابن أبي الحديد في ذكره النفالق ال أرس فيذهب نصفه يمينه ونصفه شماله ومن هنا يتبي ن إن االنف ارج ذهاب شيء إلى اتجاه القاموس المحيط : 687 نهج البالغة : 83/30 شرح نهج البالغة : 191/2 بهج الصباغة : 392/10 )4( م ن :392/10 )5( لسان العرب : 67/7 ينظر : غريب الحديث للخطابي : تاج العروس: 276/26

40 واآلخر إلى نقيضه واالنفتاق الذي أشارت إليه المعاجم معناه ذهاب جزء إلى اليمين واآلخر إلى الشمال وبذلك يحدث االنفتاق يظهر إن هذا ( االتساع ) هو نتيجة لحدوث األول وهو ( االنفتاق ) وهو ما تكرر ذكره في كتب اللغة وهذه الداللة تعض د ما جاء به ابن أبي الحديد أما قول التستري الذي استند فيه إلى أري ابن دريد فال يت سق مع سياق كالم اإلمام ألن االصل ليس معنى المفردة وان ما معناها الذي ينتجه السياق الذي ترد فيه وهذا مالم يرد في شرحه وعن كالم آخر لإلمام )) وأنا أدعوكم وأنتم تريكة اإلسالم(( عل ق ابن أبي الحديد قائال : )) انتم خلف اإلسالم وبقيته كالبيضة التي تتركها النعامة(( خاطب به جمعا من المسلمين جاء فيه : التريكة بيضة النعام تتركها في مجثمها يقول وقد كان للتستري أري آخر قال فيه : )) بيضة النعامة رذيلة ال فضيلة فمن أمثال العرب : أرذل من بيضة النعامة (( ثم استدرك مصح حا قول ابن أبي الحديد فقال : )) الصواب : أنها بمعنى البقي ة ففي ) النهاية ( )4( : إن هلل ت ارئك في خلقه أ ارد أمو ار أبقاها اهلل في العباد (( في حديث الحسن وان أغلب المعاجم والكتب اللغوية قد أجمعت على أن معنى التريكة : هي )5( البقية من قولهم )) الترك : اإلبقاء (( والتريكة التي كان يقصدها اإلمام نهج البالغة : 101/2 شرح نهج البالغة : 71/10 بهج الصباغة : 422/10 ينظر المثل في مجمع األمثال : 225/1 جمهرة األمثال : 159/1 )4( بهج الصباغة : 422/10 والحديث في نهاية الغريب واألثر : 188 )5( لسان العرب : 405/10 ينظر : غريب الحديث البن الجوزي :

41 هي المسلمون ولو أننا قبلنا معنى التريكة على أنها ( بيضة النعامة ) لكان قوله قوال مجازيا للداللة على المسلمين وتسمى بيضة النعامة تريكة ألنها تتركها في مكانها ليست هي في الحقيقة تحمل هذا االسم وانما هذه صفة للنعامة وصار يقال عنها هذا حتى أصبح يضرب بها المثل من هنا نجد أن اإلمام لم يرد البيضة في ذاتها وانما )ترك البيضة ( فلم يشبه المسلمين بالبيضة على ما ظن التستري وليست من رذيلة هنا بل إن بعض أمثال العرب مما ي مد ح بها بيض النعام ومنه قولهم : )) أصح من بيض النعام (( وهنا يصح أن يوج ه قول اإلمام إلى هذا المعنى فأصحابه تريكة لإلسالم المحمدي الصحيح ويلتفت ابن أبي الحديد إلى قول اإلمام الذي جاء فيه : )) واتقوا اهلل عباد اهلل وبادروا آجالكم بأعمالكم وابتاعوا ما يبقى لكم بما يزول عنكم وترح لوا : )) ج د بفالن فقد ج د بكم واستعدوا للموت (( فيقول شارحا قوله )4( إذا أزعج وحث على الرحيل (( وقد رد التستري بقوله : )) لم يذكر ما قاله لغة واألقرب أنه نظير قوله )5( )) ه و ب ال ه ز ل تعالى إ ن ه ل ق و ل ف ص ل و م ا ذهب الهزل وجاء الجد الذي ذكره اإلمام فعند اقت ارب أجل اإلنسان يكون وهو مختص في الحياة اآلخرة )) ينظر : مقاييس اللغة : 326 مجمع األمثال : 414/1 نهج البالغة : 109/1 )4( شرح نهج البالغة 146/5 )5( بهج الصباغة : 90/11 واآلية من سورة الطارق : )) 41

42 أي ( الجد ) الذي هو نقيض ( الهزل ) وهو في الدار الدنيا وكما يبدو ومن خالل قول اإلمام إذ إنه كان يدعو المسلمين إلى التزود من العمل الصالح ألنهم على قرب من الرحيل عن الدنيا فضال عن هذا فهناك إشارة لغوية قريبة من قوله الجد إنما هو االجتهاد بالعمل أما ما ذهب إليه التستري فيبدو بعيدا ألن داللة اآلية وسياقها يؤدي إلى غير ما أشار إليه فإذا انتهينا من هذه القضية اللغوية ننتقل إلى قضية أخرى من قضايا اللغة في قوله : )) وانظار التوبة وانفساح الحوبة قبل الضنك والمضيق (( وقد شرح ابن أبي الحديد قوله : )) الحوبة : الحاجة قال الفرزدق : فهب لي خنيسا واحتبست فيه من ة بة أم ما يسوغ ش اربها(( لحو وقد رد التستري : )) إن الحوبة وان كانت تأتي بمعنى الحاجة إال أنها في كالمه بمعناها األشهر وهو األثم بقرينة قرينتها ( التوبة ) والم ارد بانفساح )4( الحوبة انفساح التخلص عن األثم وسعته (( نعم إن الحوبة على قول ابن أبي الحديد تدل على الحاجة وهي تأتي حتما تحمل تلك الداللة ألن اإلمام يتحدث عن انشغال الناس بالحياة الدنيا وما ورد في السياق يعض د هذه الداللة فاإلنسان لم يضنك بعد 53 ينظر : لسان العرب : 235/3 نهج البالغة : 146/1 شرح نهج البالغة : 277/6 والبيت في ديوان الفرزدق : )4( بهج الصباغة : 135/11 42

43 لكن التستري ذهب إلى أن ( إنظار التوبة ) تعني لم يتب اإلنسان بعد ولم يضنك أيضا والتستري قد ذكر أن واحدا من معاني ( الحوبة ) هي الحاجة لكنه بعد ذلك ابتعد عن معناها الذي ذكره فجاء هذا التوجيه من التضاد بين الحوبة والتوبة وما قاله ابن أبي الحديد يؤيده المعجم اللغوي العربي فقد جاء في لسان العرب : )) الحوبة أي الحاجة والمسكنة والفقر (( ومن هذا فإن اإلمام يحث الناس على طلب العفو والمغفرة من اهلل قبل فوات وقتها وفي إحدى خطبه تال اإلمام تال فيها قوله تعالى : أ ل ه اك م ر ت م ح ت ى الت ك اث ر ال م ق اب ر ز فقال : )) يا )4( )) زو ار : كال ازئرين لقبورهم (( له م ارما ما أبعده وزو ار ما أغفله (( فقال ابن أبي الحديد : )) ورد التستري عليه بقوله : )) بل )) زو ار مصدر ازره كما صرح به الفيروز )5( آبادي ولو كان جمعا لقال : ما أغفلهم (( فقد جاء في لسان العرب قوله : )6( )) الزور : ال ازئرون : و ازره يزور زو ار وزيارة (( ينظر : النهاية في غريب الحديث واألثر : تاج العروس /1 لسان العرب : 231/2 : 2-1 سورة التكاثر : 204/2 نهج البالغة : 146/11 )4( شرح نهج البالغة : 158/11 )5( بهج الصباغة : 163/13 تهذيب اللغة : ينظر : جمهرة اللغة :711/2 335/4 )6( لسان العرب : 43

44 واستنادا إلى هذا تكون قد تساوت الحجة بين الشارحين بل يكون قول ابن أبي الحديد هو األكثر حجية من قول التستري فالرجوع إلى قوله نالحظ أن ( زو ار ) تناسب بيان الخطبة والتي بدأت بقوله تعالى ( حتى زرتم المقابر ) فضال عن هذا فإن ( زو ار ما أغفله ) تعنى ذلك أنكم تزورون المقابر وأنتم في غفلة عنها ألن النظر إلى حياة الموتى محجوب عنكم أي حياة ما بعد الموت وفي ذلك قال تعالى : غ ط اء ك ع ن ك ف ك ش ف ن ا ه ذ ا م ن غ ف ل ة ف ي ك ن ت ل ق د ف ب ص ر ك م ال ي و ح د ي د فاإلنسان في الحياة الدنيا لم يكن يرى أو يسمع إال ما يدور حوله في عالمه المحسوس فهو في ذلك يكون غافال عن اآلخرة واإلمام علي يحذر المسلمين من تلك الغفلة وفي مطلع خطبته كان قد ذكر قوله تعالى أ ل ه اك م ر ت م ال م ق اب ر الت ك اث ر ح ت ى ز وهذا دليل آخر على أن الم ارد من كالمه ( زو ار ) هو الزيارة التي : ذكرتها المعاجم وتوافق مع سياقها قول ابن أبي الحديد ولم يكن بعيدا من قوله ما ذكره التستري فكل المعطيات الداللية والمعجمية كانت تصب في معنى واحد هو المعنى الذي أشرنا إليه ويقول اإلمام في خطبة أخرى : )) وال ترفعوا من رفعته الدنيا وال تشيموا بارقها وال تستمعوا ناطقها وال تجيبوا ناعقها وال تستضيئوا باش ارقها وال تفتنوا بأعالقها (( وقد شرح ابن أبي الحديد قول اإلمام )4( )) األعالق جمع علق وهو الشيء النفيس(( هذا بقوله : 44 سورة ق : 22 سورة التكاثر : 2-1 نهج البالغة : 135/2 )4( شرح نهج البالغة : 122/13

45 وقد كان للتستري أري آخر قال فيه : )) بل مطلق المتاع وليس الخسيس وتخصيصه بالنفيس وهم (( فقول ابن أبي الحديد يتالءم مع السياق ألن اإلمام يحذ ر المسلمين من االفتنان بأعالق الدنيا أي نفائسها التي تشغلهم عن اآلخرة وهذا المعنى أي دته اللغة التي فس رت ( الغلق ) بالنفيس هذا وان كانت رؤيته تختلف عم ا ي اره الناس ويفهمونه ولكن ه كان يحدث المسلمين عن ذلك ألن ه يعرف ما في نفوسهم من رغبة في الدنيا وهذا يعني أنهم غير ازهدين فيها لذلك وصفها بما تعنيه عندهم ال بما تعنيه له فهو القائل : )) دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز (( فأما التستري فشرح قوله بما ي اره اإلمام لحال الدنيا وليس بما ي ارها الناس وهم عبيدها وقد ورد في كتب اللغة ))العلقة : الثوب النفيس فإذا كانت اللغة تسمي الثوب بالنفيس على بخاسة ثمنه فإن يكون للرجل (( الدنيا عند طالبها والذين كان يحذرهم في خطبته هي ثمينة بما فيها )4( فضال عن هذا ذكرت العرب إن العلق والعلوق بمعنى النفيس من كل شيء وهناك معنى آخر ذكرته معاجم اللغة يمكن أن نأخذ قول اإلمام )5( على هذا المعنى الذي قال : )) العلق : الهوى يكون للرجل في الم أرة (( وقد يكون قصد أن يحذر الناس من تعلقهم بالنساء واالبتعاد عن ذلك الهوى ألن كل هوى هو محرم من قبل اهلل تعالى إذ جاء في الذكر الحكيم 1532/4 بهج الصباغة : 17/12 نهج البالغة : 37/1 تاج العروس : 194/26 )4( ينظر : لسان العرب : 268/10 ينظر مختار الصحاح : 216 )5( لسان العرب : 262/10 ينظر الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية : 45

46 م ق ام خ ا ف م ن و أ م ا ه ي ال ج ن ة ف إ ن ال ه و ى ع ن الن ف س و ن ه ى ر ب ه قوله : ال م أ و ى فيمكن أخذ المعنيين اللغويين ألن داللتهما لم تكن بعيدة عن قوله وما جاء ذكره في المعاجم هو متفق مع قول ابن أبي الحديد وهذا ما يدعو إلى أن نقف بجانبه ونؤيد ما قاله وان قول التستري لم يأت له بسند لغوي وانما اعتمد فيه على اتجاهه العقائدي ويشرح ابن أبي الحديد قوله : )) محاسبة أهل الهوى منسأة لإليمان (( بقوله : )) منسأة لإليمان أي داعية إلى نسيان اإليمان واهماله (( وقد اعترض التستري على توجيه ابن أبي الحديد بقوله : )) ي قال للعصا : منسأة )4( لكونها آلة دفع المكروه وتأخيره (( ويظهر أن ما جاء به ابن أبي الحديد أكثر مالئمة للسياق ألن من يجالس أهل الهوى سيبتعد عن اإليمان وي ه م ل ه وي ن س اه وهذا المعنى ي فهم من السياق تماما أما ما أورده التستري في اعت ارضه فمعنى ( المنسأة ) صحيح في اللغة ولكن العصا ال ت الئم السياق ألن ها تكون بمثابة األداة التي تطرد اإليمان إال إن نا عثرنا على توجيه آخر للمنسأة مأخوذ من ( ن س ي ) فيكون المعنى هنا إن )5( مجالسة أهل الهوى موجبة لنسيان اإليمان وهذا توجيه يالئم السياق تماما ويكون أقرب الى الواقع مما قاله الشارحان وهنا ننتقل مع ابن أبي الحديد لشرح قضية لغوية أخرى من القضايا التي وقف عليها في نهج البالغة وتابعه في ذلك التستري فعن داللة كالمه : سورة النازعات : 150 نهج البالغة :1/ 356/6 شرح نهج البالغة : 265/13 )4( بهج الصباغة : )5( ينظر : د ارسات في نهج البالغة :

47 )) المؤمن ال يمسي وال يصبح إال ونفسه ظنون عنده (( قوله الظنون البئر التي ال يدري فيها ماء أم ال وقد رد وقد شرح ابن أبي الحديد التستري بقوله : )) كون المعنى حقيقة وأن الم ارد أن المؤمن سيء الظن بنفسه قال الجوهري : الظنون الرجل السيء الظن (( فإذا أخذنا قول ابن أبي الحديد من جنبته اللغوية فهو صحيح وذلك ما نص ت عليه كتب اللغة إذ جاء في البعض منها : )) الظ نون البئر ال يدري أفيها )4( ماء أم ال (( فاإلمام يرى أن اإلنسان المؤمن يبقى شاكا في قدرته على نهي نفسه عن هواها فتكون كالبئر التي ال يعرف فيها ماء أم ال وفي حالته هذه هو على عدم اليقين من نفسه في عملها المنكر وظنه في نفسه نابع من معرفته أن النفس إمارة بالسوء )) فالمؤمن اليصبح وال يمسي إال وهو على حذر من نفسه )5( معتقدا فيها التقصير في الطاعة غير قاطع على صالحها وسالمة عاقبتها (( أما ما ذكره التستري فهو األقرب لالنضواء تحت سياق قوله إذ أنه اعتمد بفهمه للمعنى على ما ذكرته المعاجم اللغوية والتي جاء فيها : )6( )) الظنون : الرجل السيء الظن (( السالم نهج البالغة : 91/2 ينظر شرح نهج البالغة : 112/19 بهج الصباغة : 94/12 ينظر : الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية : 216/16 )4( تاج العروس : 368/35 )5( شرح نهج البالغة 18/10 واستعان ابن منظور في لسان العرب ( ظنن( بقول اإلمام هذا )6( الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية : 16/16 عليه 47

48 وهذا ما تقبله الداللة ألن المؤمن يحاسب نفسه ظن ا أنه فعل الخطأ ليس على سبيل اليقين ولكن لرسوخ إيمانه يبقى شاكا في نفسه ألن النفس هي ما تدفع إلى ارتكاب السوء فهو يريد أن يد أر عن نفسه السيئة فيبقى في حالة ظن مستمرة بنفسه بينة يمكن الوثوق بها ويقول اإلمام يذم بعض أصحابه: )) إنه ال يخرج إليكم من أمري رضا فترضونه وال سخط فتجتمعون عليه وان أحب ما أنا الق الي الموت قد دارستكم الكتاب وفاتحتكم الحجاج وعرفتكم ما أنكرتم (( ) ( فس ر ابن أبي الحديد كالم اإلمام بقوله : )) قد دارستكم الكتاب أي دارسته عليكم دارست الكتب وتدارستها وأدرستها ودرستها بمعنى وهي من األلفاظ القرآنية (( وقد رد التستري على ما ذكره ابن أبي الحديد مخالفا فقال : )) لم نقف على من ذكر ( ادرس ) وانما في القرآن مجردة : ( درست ودرسوا وتدرسون( الظاهر أن الم ارد علمتكم درس القرآن وتفسيره فإن األصل في تفسيره هو (( نحن هنا أمام أريين مختلفين أو تأويلين غير متشابهين فما ذكره ابن أبي الحديد : من أن ال فرق بين قولك درست وتدارست وأدرست ودرست فهو يعد كل هذه األفعال تؤدي معنى واحدا وال اختالف فيما بينها فاعتماد المعاجم اللغوية يضعف ويختلف مع ما ذكره ابن أبي الحديد فجاء في معنى كلمة 48 نهج البالغة : 101/2 شرح نهج البالغة : 72/10 بهج الصباغة : /10 423

49 )درست( أي تعلمت أي أنت الذي تعلمت درستها أي المتحدث هو الفاعل وهو الذي قام بتدريس غيره وعن كلمة أدرستها أي بمعنى فما أشارت إليه اللغة يختلف مع ما ذكره ابن أبي الحديد فإذا اختلفت الداللة اللغوية فذلكيقود إلى اختالف في المعنى أما ما ذكره التستري هو قوله : ( أي علمتكم درس القرآن وتفسيره ) يريد هنا أن اإلمام ألنه األصل في ذلك واذا استحضرنا قوله ندرك مأ ا ارده التستري في إشارته هذه علمهم القرآن وتفسيره : )) أنا القرآن الناطق (( فهو كما كان يعني منه تعليمهم القرآن وتعليمه يقتضي تفسيره وتأويله وكل ما يتصل بعلومه ويضاف إلى هذا المعنى اللغوي لكلمة دارستكم معنى آخر وهو األخذ )4( والعطاء فيقال : ))دارستهم : ذاكرتهم (( وقيل دارست : أي ق أرت عليهم وقرئوا )5( عليك ومن خالل هذا فإن المدارسة تقع بين اثنين ألن الفعل يدل على المشاركة واإلمام كان يعني بذلك أنه در سهم الكتاب وكان يسمع إليهم ويرد على شكوكهم وتشكيكهم بقرينة قوله ( وفاتحتكم الح جاج ألن تلك المدارسة بالسؤال أدت إلى الحجاج واثارة الشكوك وعلى هذا يكون الحجاج : )) عبارة عن ينظر : تاج العروس : 70/16 ينظر : م ن : 70/16 ينابيع المودة :191/1 )4( لسان العرب : 79/6 ينظر : تاج العروس : 70/16 )5( ينظر : تهذيب اللغة : 250/12 لسان العرب : 79/6 49

50 عالقة تخاطبية بين المتكلم والمستمع حول قضية ما متلكم يدعم قوله بالحجج والب ارهين إلقناع الغير (( والتعامل بأسلوب حجاجي يكون هدفه التأثير في المقابل والتوجيه واإلقناع فاإلمام أ ارد أن يذكر أصحابه بما عل مهم من علوم القرآن فقال عليه السالم : ( عرفتكم ما أنكرتم ) كالم اإلمام الداللة : وهكذا نظر الشارحان إلى الفعل ( درس ) وأخذا منه ما احتاجا إليه في بيان إن للسياق أثره المباشر في توجيه الداللة في أي نص لغوي ويبرز أثر الكلمات واأللفاظ في فهم داللة النص من خالل معانيها ووقوعها ضمن السياق اللغوي فتبدو قيمة خالفية في المعنى وتعدد أنواع الداللة فمنها الداللة الصوتية وهي التي تعتمد في طبيعتها على األصوات التي ترد في العبارة واألخرى هي الداللة الصرفية والتي تستمد عن طريق الصيغ وبنيتها والداللة النحوية التي يفهم )4( الم ارد منها من خالل بناء الجملة أو هندستها فضال عن هذا فإن الداللة المعنوية وهي التي ت ستقي من الحقائق والمعاني الظاهرة وهي بدورها تنقل صورة )5( الشيء المادية وتصفه الحجاج في كاب المثل السائر البن األثير : رسالة ماجستير : 11 ينظر : بنية الملفوظ الحجاجي في العر األموي : رسالة ماجستير : 34 ينظر : داللة األلفاظ : 35 )4( ينظر : م ن : 36 )5( ينظر : البحث الداللي في تفسير المي ازن :

51 وهنا نتناول بعض القضايا الداللية التي جاءت في ردود التستري على ابن أبي الحديد ففي شرحه لقول اإلمام : )) فكنت في ذلك كناقل التمر إلى هجر (( والذي قال فيه ابن أبي الحديد : )) هجر اسم مدينة ال ينصرف للتعريف والتأنيث بل هو اسم مذكر مصروف (( وعل ق التستري على هذا القول بقول أقرب إلى السخري ة إذ يتهمه بأن ه لم يطالع غير الصحاح وألن صاحب الصحاح لم يذكر غير صرف هجر فهو قد يكون التزم في كالمه وقال ابن األنباري الغالب عليه التنكير والص رف وقد يكون أنشدوها ولم يصرفوها وينكر التستري على ابن أبي الحديد أن ثها وألن هذا المثل هو شائع ومعروف فإن هجر قد عرفت من خالله أو يكون قد شاع من خاللها لكن االهم من ذلك إن هجر أسم لمدينة معروفة ونظ ار للشهرة التي يتمتع بها هذا االسم ( هجر ) فقد ذكره ابن بطوطة في رحلته وقال : )) مدينة هجر وتسمى اآلن بالحسا بفتح الحاء والسين واهمالهما وهي )4( التي يضرب المثل بها فيقال : كجالب التمر إلى هجر (( ولو كان اسم هذه المدينة من اسماء المدن غير المعروفة والتي لم ت ذع شهرتها في الجزيرة العربية ويعرفها بعض الناس دون البعض اآلخر يمكن القول أن يكون الشارحان توه ما في هجر اسم هو أو فعل وبذلك جاز لهما أن يصرفاه لكن ابن أبي الحديد قال األمرين معا فجعلها اسما مرة وفعال مر ة أخرى 51 نهج البالغة : 30/3 شرح نهج البالغة : 188/15 ينظر : بهج الصباغة : 70/3 )4( رحلة ابن بطوطة : 153/2